الأربعاء , 29 نوفمبر 2023

الخروج عن الثقافةدون وعي /محمد الأمين ولد دده

من المعروف أن الأمم و المجتمعات على اختلافها تتمايز بالثقافة ، فبالثقافة ينتمي الشخص إلى مجتمع من المجتمعات بحيث يظهر ذلك من خلال لبسه و كلامه و نمط حركاته .. فمثلا يكون كل من تكلم الحسانية و لبس الدراعة أو الملحفة أو أظهر استحياء من صهره .. بيظانيا .
ليست علاقة الإنسان بثقافته محصورة في ممارسات جامدة ذات حركات ديناميكية لا روح لها ،
بل على العكس فإن الإنسان لا يمارسها إلا لكونها نابعة منه ، لارتباطها بمنظومة توجيهية و تربوية و اجتماعية و شخصية ، الأمر الذي يعطيها بعدا روحيا ، و إذن فلا يمن أن نقول إلا أن ارتباط الإنسان بثقافته قوي و يجب أن يظل كذلك ، و قولنا يجب أن يظل كذلك إنما نعني بها أنه أحيانا يتم الخروج عليها .
يمكن أن نرجع الخروج على الثقافة إلى نوعين من الخروج ، أحدهما واع و الآخر لا واع ، فالأول يكون برفض الإنسان رفضا معلنا أو غير معلن لثقافته الأصلية ، و استبدالها بثقافة أخرى يظن أنها أكثر جدية منها أو أكثر إقناعا ، مع أنه قد لا يتبع هذا الرفض تمثل ثقافة بديلة … ذلك مثل استبدال أحدهم لدينه بدين آخر أو تخليه عنه دون استبدال ، أو مثل رفضه لممارسة عاداة و تقاليد مجتمعه ، لأنها في نظره غير ملائمة للعصر ، أو بعبارة أخرى غير متحضرة ، مثل ما حصل مع الكثيرين من أبناء مجتمعات الأدغال الإفريقية حين تخلوا عن ممارسة الطقوس المتعلقة بأرواح الأجداد .
أما الخروج اللا واع فيكون بتمثل الإنسان لثقافة أو لغة قوم آخرين ، دون أن يكون قاصدا إحلالها محل ثقافته ، و لعلنا نرى بيننا هذا النوع من الخروج بشكل دائم ، فمثلا دائما ما نجد الكثيرين يفضلون في طلب العفو القول باللغة الفرنسية pardon بدل كلمة عفوا باللغة العربية ، أو القول donc بدل إذن ، و هكذا .
يمكن أن نرجع الخروج اللا واعي عن الثقافة ، إلى طلب الشخص الخارج لمكانة أعلى من مكانة سامعيه ، أو على الأقل مساوية لها ، و لذلك فدافع الخروج اللا واعي هو الافتخار أو المباهاة أو السيطرة أو حب الظهور … ذلك لأن الذين يخرجونه ، يرون بتفوق الثقافة الوافدة التي يتمثلونها على ثقافتهم الأصلية ، أو بلغة ابن خلدون في المقدمة يرون بتغلبها . فابن خلدون يعنون الفصل الثالث و العشرين في مقدمته بـ ” في أن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره و زيه و نحلته و سائر أحواله و عوائده ” ، و ما دام الأمر كذلك فإنهم يأخذون بأسباب التفوق من تلك الثقافة المتغلبة .
و في الحقيقة فإن الخروج الواعي على الثقافة قد يكون إيجابيا و إلزاميا ، و هنا نقول بأن الإسلام كان خروجا واعيا على عبثية عبادة الأوثان ، أما الخروج اللا واعي و الذي هو تقليد للآخرين لا يستند إلا لما سبق و أن ذكرنا ، فيعتبر سلبيا .
دائما ما يجلب الخروج اللا واعي لصاحبه الوقوع في التناقض ، فكثيرا ما نجد في مجتمعاتنا الأشخاص الذين ينتهجون سلوك و مظاهر الغربيين ، يدعون في نفس الوقت إلى الالتزام بلغة و دين مجتمعهم مستنكرين أي نوع من أنواع الخروج عليها ، إلا أنهم ليسوا واعين بخروجهم هم أنفسهم عليها ، و لذلك سمينا هذا النوع بالخروج اللا واعي ، فمثلا قد نجد شخصا ما يتحدث عن غرائب اللغة العربية ، و قوتها ، و عدد تسمياتها للأشياء ، و في نفس الوقت نجده يكتب اسمه بلغة أخرى ، و إذا ما أراد التعبير عن شدة الحرارة عبر بلغة أخرى .. و هكذا أتذكر مرة أحد زملائي كان يتحدث بحماسة شديدة مع زميل آخر ، عن أن اللغة العربية هي أرقى و أقوى اللغات و قال كدليل على ذلك بأن للأسد خمس مائة اسم عربي ، ثم عدد الكثير منها و بعد مضي وقت ليس بالكثير من فض الجلسة ، إذا به يتحدث في فضاء آخر و وفق حضور آخر عن قصة للحيوانات ، و حين ما وصل لاسم الأسد قال و بسرعة le lion.
لذلك فإن التقليد على هذا الوجه مجلبة للتناقض ، كما أنه يجعل الشخص غير قادر على بناء قراراته بنفسه ، الأمر الذي يقود إلى الفشل ، و الذوبان في الفراغ لأن صاحبه لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء

عن admin

شاهد أيضاً

أيها الفلسطيني المجاهد… اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا “مطبعون”

مرت الأمة الإسلامية والوطن العربي بمحن كثيرة على مر التاريخ، لكنها كانت تخرج من كل …