تابع الكثيرون، على إحدى القنوات التلفزيونية، باهتمام بالغ مجريات شبه طاولة حوارية حول الصحافة وواقعها وكيف يكون تعاملها مع الاستحقاقات الرئاسية القريبة. الحوار شاركت فيها كوكبة من ألمع الاعلاميين الذين لا شك مطلقا في تمكنهم وقدراتهم العالية وحرفيتهم الفائقة، ولا في التزامهم داخل الوسط الإعلامي الذي قلت فيه الصفة وحتى بات يشار إليهم بوصفهم من أهل القدوة فيه.
وشمل الحوار معهم نقاطا أساسية وغطى محاور في صميم رسالة مهنة الصحافة ودورها، وتناول كذلك الجانب المتعلق بأخلاقياتها. وبعد مرور وقت على رد كل منهم على الأسئلة التي وجهت إليه وشبه محاولة مشتركة لأخذ ورد متوازن كان ثمة حذر من السقوط في محاذير الجمود، وإسراف في المجاملة والاسترسال في النظريات الإعلامية المثالية.
وعلى الرغم من أن الصحفيين أبانوا عن قدرتهم على خطابة أبرزت طينتهم الإعلامية المحضة، فإنهم ظلوا أثناء الحوار محكومين بقيود وكوابح خفية مصدرها العقلية العامة وإملاءاتها المنافية للديمقراطية وحرية التعبير، فكانوا يوغلون في النظريات الإعلامية التي يخبو وهجها على العادة بعد العمل الميداني وتتناقص فعاليتها ويتقلص حكمها على أرض الواقع حيث يصبح الحكم لقواعد:
– الصراحة والشجاعة والمصداقية،
– والنزاهة الفكرية،
– والوطنية المنبثقة من الالتزام وروح المدنية المشعة بالتحضر،
– واحترام القانون، ذلك الضامن للعدل والقاهر للخوف والباعث على الثقة وقول الحق ومحاربة الكذب والزيف والباطل.
وعلى الرغم من بيان المتحاورين وتماسك أفكارهم، لاحظ المتابعون أنهم لم يتحلوا بالشجاعة الكافية والمطلوبة في وقتها ومناسبتها، على قول الحقيقة الوحيدة التي تحمل في لبها تشريح الداء الذي ينخر الإعلام والدواء الذي فيه الشفاء، لو صحت النوايا وخلت النفوس الأمارة بالسوء من أمراضها العالقة منذ ما قبل الدولة المركزية وحلول فضائل النظام فيها، فضائل منها ضمان الحريات على نسق لم يكن يوما ممكنا في ظل التراتبية التي ما زال يفرضها النظام المجتمعي التقليدي؛ حقيقة أن الصحافة لم تعد تعاني – على عكس ما هو جار على الألسن ومعمول به كحم واقع – من أي ضعف مهني أو منهجي أو متعلق بالقدرة على الأداء بحرفية، و لكن أغلب أهلها آثروا جعلها مهنة للقمة العيش فحسب في خدمة الذي يدفع مقابل القطعة نصا كانت أو صورة.
فاللحاق بالركب قد تم منذ أمد، والالتحام بالعصر أصبح واقعا تدعمه أمواج المعلومات المتدفقة والتجارب المنشورة عبر النت وشبكته العنكبوتية التي أفرزت حتى إعلاما اجتماعيا موازيا وفي بعض الأحيان منافسا بقوة، وما أدراكم ما هو هذا الإعلام الاجتماعي وأنتم أدرى. لكن الدودة في تفاحة بلد أهله لا يحبون الفواكه كثيرا فيتركوها للسخرية تتولى إتلافها
